الطفولة النسخة الأولى للذات
عن ماذا نتحدث عندما نتحدث عن الطفولة؟ إنها قصة بطولية، مغامرة مليئة بالأمل والبراءة، تملأ السطح الخارجي للذكريات كما لو كانت غلافاً لقصة خيالية. الطفولة، النسخة الأولى من الوجود الإنساني، تمنحنا بصيرة نقية تجاه العالم، تفيض من اتساع عالمنا الداخلي.

الطفولة عالم خاص وإبداع غير محدود 
في طفولتنا، كنا نملك عالمًا خاصًا بنا، مليئًا بالإدراك البسيط، لكنه في ذات الوقت محملاً بالقوة، الجرأة، والإبداع. كان لدينا القدرة على تصور الأشياء كما لو كانت ممكنة، تمامًا مثل أبطال القصص الخيالية الذين نقرأ عنهم. كان بإمكاننا أن نصبح أي شيء نريد في أي لحظة، من طيار إلى مغامر، من مخترع إلى بطل خارق. كان العالم بين أيدينا والخيال وقودنا. 
إنها اللحظة الأولى للإدراك، والتجربة الأولى للمتع، والمواهب الأولى في الإبداع، والعلامة الكاملة في الامتحان لأول مرة، وشعور الاستثناء كأبطال خارقين. كيان ذو إدراك خاص، وقصة كل طفل ممتعة منذ البداية، تنطلق من المراحل المبكرة... نقلب صفحاتها، ثم نصل إلى المنتصف، حيث ندخل إلى الجزء الأعمق، فنلاحظ انحسار كلماته، وكتابته، وقصته ككل! نواصل تقليب الصفحات حتى نصل إلى النهاية، لنتفاجأ بأنها أصبحت فارغة. يفقد الطفل أثره، وينتزع إدراكه الخاص، ويفقد نسخته الأولى، النسخة الأصل ليصبح في النهاية نسخة من الصورة التي رسمها له الآخرون. 

الكبت العاطفي وفقدان النسخة الأولى للذات 
 مع تقدم العمر تبدأ تلك النسخة الأولى من أنفسنا في التلاشي. يختفي الإحساس بالقوة، ويتضاءل الإبداع، وتبدأ القيود تتراكم. ما كان في البداية تجربة حرة وعفوية، يبدأ في التحول إلى سلسلة من التوقعات الاجتماعية، والتعليمية، والعائلية، التي تسلب الطفل إحساسه بتفرد ذاته. يصبح الطفل جزءًا من النظام الاجتماعي الأكبر، ويتعلم أن يتبع القواعد أكثر من أن يخلق قواعده الخاصة. أسلوب التربية الذي يهدف الى جعل الطفل ينتمي الى المجتمع، عقد الأبوين الخفية، نتيجة لكل ذلك يتحول الطفل الى نسخة أخرى، وربما مع الأسف قد يحمل عقدًا نفسية. 

آليس ميلر: التربية الصارمة وعواقبها النفسية 
في هذا السياق تشير آليس ميلر، الإخصائية النفسية والمحللة الاجتماعية المهتمة بعلم النفس العاطفي، تحديدًا بسلوك وتربية الأطفال في كتابها "جذور العنف في تربية الطفل"، إن الآباء في المراحل المبكرة من الطفولة يفرضون نوعًا من التربية الصارمة والقاسية، مدعين أن الأطفال لن يتذكروا أبدًا أنهم كانوا يمتلكون إرادة خاصة بهم. ولكنها تنفي هذا الاعتقاد، وتضيف بأن لذلك تبعات مشؤومة، مهما حقق الطفل من إنجازات في المستقبل، فإنه يظل يتعرض للكبت العاطفي ويعاني من صدمة. تقول: "حينما يهدف الجهد المبذول لتربية الأطفال إلى منعهم من إدراك ما تسبب لهم، وما نأخذ منهم، وما يفقدونه، وما كان يمكن أن يكونوا عليه وما هم عليه الآن، وحينما تبدأ هذه التربية في وقت مبكر إلى حد ما، يشعر الفاعل بإرادة الآخر من دون أن يتعرف على ذكائه بوصفه خاصًا به. كيف له أن يعرف أن إرادته قد حُطمت وهو لم يختبرها على الإطلاق؟ لكن هذا ما يسبّب له المرض." كما تقول أيضًا: "قناع العاطفة يخفي قسوة طريقة التعامل."

القسوة العاطفية: قناع العاطفة
هذه المفاهيم تصبح أكثر وضوحًا عندما نكبر. نبدأ في إدراك أن كل القسوة التي كانت تُمارس علينا كانت تختبئ وراء قناع العاطفة. وهذا ما تقوله ميلر، أن التربية التي يُفترض أن تكون مليئة بالعناية والمحبة، قد تكون في الواقع مغطاة بقسوة كبيرة، تؤدي إلى كبت عاطفي يعجز الطفل عن فهمه في الوقت الراهن.

العودة إلى النسخة الأولى: طريق الشفاء
 مع الوقت، ومع النضج، يظهر سر العودة إلى النسخة الأولى من الذات. هذا هو طريق الشفاء، أن نعود إلى تلك اللحظة التي كان فيها الطفل كاملًا في بساطته، كان يدرك العالم كما هو، ويمتلك القدرة على التفاعل معه بشجاعة ومرونة. عندئذٍ، نجد القوة الحقيقية في إعادة اكتشاف أنفسنا، ونعمل على فك قيود الماضي، ونتعلم أن نرافق أطفالنا بشكل مختلف، بعيدًا عن قيادتهم في مساراتنا القديمة.

السينما وتشكيل الوعي حول الطفولة  
The Recorder Exam 2011 – Director Bora Kim 

يقدم الفيلم نظرة مؤثرة عن الطفولة في سياق اجتماعي صعب. الفيلم يروي قصة فتاة من أسرة فقيرة تواجه تحديات عاطفية وعقلية كبيرة نتيجة الإهمال العاطفي من والديها. يظهر الفيلم كيف تُمارَس القسوة العاطفية، وكيف يساهم الإهمال العاطفي في تشويه الروح الطفولية. هذا النوع من الأفلام يساعدنا على فهم كيف تُشكل التربية الموروثة على حيوات الأطفال، وكيف يمكن أن تُسهم في نموهم العاطفي بطريقة سلبية، إن لم يتم التعامل مع هذا التحدي بحذر ووعي.

ختامًا، الطفولة ليست فقط ما نمر به، بل هي أيضًا ما نبقى عليه طوال الحياة. العودة إلى النسخة الأولى للطفولة، هي طريق للشفاء، للوصول إلى فهم أعمق لذاتنا، وللعيش بحب حقيقي وعفوي.